كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يعلم صحابته الكرام رضوان الله عليهم والأمة من بعدهم دعاء الإستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن مربياً إياهم على معانيها العظيمة فيطبقون بها معاني الذلة والفقر والإنطراح بين يدي الله كلما هموا بأمر، أو عنّ لهم عارض، أو إشتبهت عليهم أحوال، أو ترددوا في مسألة، ليربطوا كل أمور حياتهم بالله، ويستشعروا في كل أحوالهم فقرهم، وغناه عز وجل، وضعفهم، وقوته جلّ جلاله، وجهلهم ومطلق علمه سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وإنك أنت علاّم الغيوب، اللهم إن كنت تعلم في هذا الأمر -وتسميه- خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فإقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلمه شراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فإصرفني عنه واصرفه عني وإقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به».
لنقرأ هذه الكلمات ولنتقرب إلى الله بهذه الدعوات فو الله إنها ليست مجرد كلمات تقال.. بل هي عقيدة تترجم، وعبودية تتجسد يعترف من خلالها العبد بفقره وضعفه وذلته وحاجته ويعبر عن يقينه بكمال ربه ووحدانيته وتفرده بالخلق والأمر وتدبير الأمور، كما يستشعر واسع فضله وعظيم رحمته وكامل قدرته وعلمه وإرادته..
والغريب أن يغفل عن هذا الهدى أصحابه وعن هذا الكنز مالكوه، ويلهثون وراء وصفات إبليسية متجددة يخرج بها إبليس في كل عصر ويقدمها للمترددين بين خيارات متنوعة والحيارى أمام مفترق الطرق، وللمتشوفين لمعرفة الأسرار وإستكناه مغيبات المستقبل وهو بذلك يصرفهم عن هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم ويصدق عليهم وعده في إضلالهم عن الهدى...
ومن ذلك ما أصبحت تطالعنا به المجلات وتزخر به المنتديات وتعلن عنه الفضائيات.. تعرفي على أسرار الحروف فإن لكل حرف خصائص ولكل حرف طاقة مميزة! إن طاقة الحروف تجعلك تعرفين شخصيتك، طبيعتك بل وتفسر لك كثير مما يحدث لك وتنبئك عن كثير من مستقبلك.
إن معرفة الحروف الأول من اسم أي شخص ومجموع حروف اسمه تقدرك على تحليل شخصيته والوصول إلى معرفة هل من الجيد أن تصادقيه، أو هل هو الشخص المناسب لكي ترتبطي معه بزواج تظلله روح السعادة والتوافق!
تعرفي على أسرار الألوان وفكري في اللون الذي تنتمين له وأثره على شخصيتك صحتك، حياتك العاطفية، قدرتك العقلية، نجاحك...
اقرئي كتاب من -أي لون أنت- فإنه يضع أقدامك أمام علم مثير يجعلك أكثر وعيا بنفسك وقدراتك وأكثر تحكماً في تصرفاتك وأكثر تمتعا بصحة بدنية وعقلية وعاطفية، بل أنه يتعدى بك ذلك ليجعلك قادرة على تحليل شخصيات الناس وإختيار الأنسب منهم لعلاقاتك وثقتك ويمكنك من تفسير كثير من تصرفاتهم بل والتنبؤ بكثير من الأحداث المستقبلية لك ولهم...
تعرفي على أسرار تاريخ الميلاد فالناس ينقسمون إلى فئات متمايزة بحسب تواريخ ميلادهم فالصيفيون ليسوا كالشتويين ومواليد الربيع يختلفون عن مواليد الخريف إن مواليد كل فصل يرتبطون إرتباطاً كلياً بطبيعة هذا الفصل وخصائصه ونجومه وأبراجه لأن الطاقة المتدفقة في أجسادهم تشكل طبائعهم وتصوغ شخصياتهم وتتحكم إلى حد كبير في مستقبلهم وطريقة حياتهم.
لذلك إجعلي سؤالك عن تاريخ الميلاد أساسي لتعرفك على من سترتبطين معهم بعلاقات عمل أو تجارة أو سفر أو زواج... إن معرفة تاريخ الميلاد تكشف لك إلى أي نوع من النجوم تنتمي وأي فئات الناس تنسجم معها أكثر من غيرها، ومن هو الشريك المثالي لك وستكتشف أي مجال عمل أو مهنة تناسبك أكثر ومتى وفي أي إتجاه تسافر أو لا تسافر وأي سنوات أو أشهر السنة هي الأفضل لجعل حلمك حقيقة بالإضافة إلى ذخر من المعلومات الأخرى حول الوضع الصحي والحياة العاطفية والعلاقات العائلية والنجاح المادي.
إن هذه الوصفات الشيطانية ليست طرائق تجريبية ولا علوم نفسانية وإنما هي على الحقيقة تنجيم وشرك في الربوبية.
قال بعض العلماء: وليت شعري ما يقول المنجِّم في سفينة ركب فيها ألف إنسان على إختلاف أحوالهم وتبايُن رتبهم، مع إختلاف طوالعهم وتبايُن مواليدهم، ودرجات نجومهم فعمَّهم الغرق في ساعة واحدة فإن قال المنجم -قبَّحه الله- إنما أغرقهم الطالع الذي ركبوا فيه، فيكون مقتضى ذلك أنّ الطالع أبطل أحكام الطوالع الأخرى على إختلافها عند ولادة كلّ واحد منهم، وما يقتضيه طالعه المخصوص به، فلا فائدة أبدًا من عمل تاريخ المواليد ولا دلالة فيه على شقيٍّ ولا سعيد ولم يبقَ إلاَّ معاندة القرآن العظيم، وفيه إستحلال دمه على هذا التنجيم، وقد أحسن الشاعر حيث قال:
حكم المنجِّم أنَّ طالع مولدي *** يقضي عليَّ بميتة الغرقِ!
قل للمنجم: صحبة الطوفان هل *** ولد الجميع بكوكب الغرق؟
ولهذا فإنَّ الإستهداء بهذه الأمور الخفيَّة إنما يكثر عند من ليس لديهم من هدى النبوَّات حظَّ، أو ليس لهم من إتباع هدى الأنبياء نصيب، ولذا قال ابن حجر: كانت الكهانة فاشية خصوصًا في العرب، لإنقطاع النبوَّة فيهم.
أمَّا الاستخارة الشرعيَّة التي كان الرسول صلي الله عليه وسلم يعلِّمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، فهي هدى محمد صلى الله عليه وسلم وهي الطريقة المرضية عند الله عز وجل، لذا فالمؤمن يستخير الله عند سفره وعند بيعه وشرائه وعند زواجه وفي كلِّ أمره ولا يحتاج إلى معرفة برجه وطالعه، وإن زعم من زعم أنّ له تأثير على حياته، وهكذا فإن المؤمنين الذين عرفوا هدى الأنبياء مستغنون بما جاءهم من الوحي عمَّا عند غيرهم، حاملوه للبشريَّة بفخر وإعتزاز، وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان وما ضلّ من ضلّ في هذا الباب إلا لخفاء ما جاء به الرسول عليه، وقلّة نصيبه من الفهم الذي وفِّق له أصحاب نبيِّه الذين إكتفوا بما جاء وإستغنوا به عما سواه.
وتبقى كلمة الختام: أن كل من زعم بلسان حاله أو مقاله: أن طائفة غير أهل الحديث أدركوا من حقائق الأمور الباطنة في أمر الخلق والمبدأ والمعاد وتعرف حقيقة النفس والعلوم والأخلاق التي بها تزكو النفوس وتصلح وتكمل دون أهل الحديث فهو وإن كان من المؤمنين بالرسل فهو جاهل فيه شعبة قوية من شعب النفاق، وإنما كان أتباع النبي صلى الله عليه وسلم هم أعلم الناس بهذا لأنهم تلقوه عن نبيهم من الوحي ولم يكن ذلك بحدس أو تخرص أو إستجابة لإستهواء الشياطين فليحذر مروجو هذه الضلالات وليكفوا عن البحث عن أسباب السعادة بعيداً فهي لعمر الله بين أيديهم وفيما حفظ الله لهم إنها في الكتاب والسنة.
الكاتب: د. فوز بنت عبد اللطيف كردي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.